خلق الله للناس عقولا حتى يستطيعوا التمييز بين الامور المنطقية و الأشياء الغير عقلانية و رغم ذلك الا ان الكثيرين منهم يقعون ضحايا للعديد من عمليات النصب نظرا لأن الطمع و الرغبة فى ربح الأموال بشكل سريع تطغى على أى تفكير أخر و دائما ما كانت هى نقطة الضعف التى يستغلها الكثير من النصابين فى الإيقاع بضحاياهم حتى و أن كانوا سيبيعون لهم الوهم ذاته و هو ما فعله النصاب الشهير فيكتور لوستيج فى فرنسا حين قام ببيع برج إيفل لمرتين و يبدو أنه كان هناك نسخة أمريكية منه و هو جورج باركر الذى تمكن من النصب على ضحاياه و قام ببيع أشهر المعالم الوطنية فى الولايات المتحدة مثل جسر بروكلين الذى قام ببيعه لثلاث مرات و تمثال الحرية و حديقة ميدان ماديسون و يصبح من خلالهم واحدا من أشهر النصابين فى التاريخ الأمريكي .
بدأ كل شيء بولادة ” جورج باركر ” عام 1860 في أسرة من الطبقة المتوسطة هاجرت من “أيرلندا” الى “الولايات المتحدة” و أستقرت فى مدينة ” نيويورك ” سعيا وراء الحلم الأمريكي لكن كان من الواضح أن “جورج” لديه حلم مختلف عن معظم الأمريكيين الآخرين فمبجرد تخرجه من المدرسة الثانوية بدء فى إحتراف مهنة النصب و الاحتيال على المواطنين الا أنه تخصص فى أمور غريبه ألا و هى بيع أشهر المعالم الأمريكية البارزة الموجودة فى مدينة “نيويورك” خاصة جسر بروكلين الذى تمكن من بيعه عدة مرات و لضحايا مختلفين .
و رغم عدم منطقية بيع تلك الأماكن العامة خاصة ” جسر بروكلين ” الا أن ” جورج باركر ” كان ذكيا للغاية فى اختياره له نظرا لاعجاب المهاجرين الجدد به عند رؤيته و إعتباره من المعالم الأساسية فى “الولايات المتحدة” حيث كان يبدء نصب شباكه على ضحاياه بارتدائه الملابس الفاخره ثم محاولة التعرف على المهاجرين الجدد الذين وصلوا الى “نيويورك” و يمتلكون أموال وفيرة و خلال حديثه معاهم و بإستخدام أساليبه الاحتياليه يخبرهم فى سياق الحديث بأنه المسئول عن ذلك الجسر و يبحث عن شخص ما للعمل في كشك رسوم سيقيمه قريبًا عند بدايته و اذا وجد تجاوبا و اهتماما من الضحية أمامه حول ذلك الموضوع فينتقل الى المرحلة الثانية من خطته بالعرض عليه العمل كمسئول عن ذلك الكشك و اغرائه بأنه يجني أرباحا هائله و اذا وجد تجاوبا اكثر فانه يتمادي و يعرض عليه فرصة لا تعوض و مربحة فى أن يكون شريكًا تجاريًا له و يمتلك جزءًا من الجسر او حتى كله بحسب الاموال التى ستدفع له و لاثبات ادعائاته كان يصحب الضحية الى مكتبه المزيف و يعرض له مستندات مزورة تؤكد امتلاكه لذلك الجسر .
و لسوء الحظ نتيجة أن تلك الجرائم كانت فى اواخر القرن الـ19 و اوائل القرن العشرين فلم يتم توثيقها جيدا و لكن كانت هناك تقارير تشير الى انه باع ذلك الجسر بمبالغ مالية وصلت إلى 50 ألف دولار و هو مبلغ يعادل 1.3 مليون دولار فى وقتنا الحالى .
و بعد نجاح ” جورج باركر ” فى النصب على ضحاياه و بيع الجسر إليهم ذهب اول شخص منهم و شرع في إقامة كشك لتحصيل الرسوم بينما كانت حركة المرور فى ذروتها و نتيجة غرابة ما يحدث تم إبلاغ الشرطة التى أنتقلت على الفور إليه و تلقى القبض عليه بتهمة استغلال اراضى عامة و منشئات حكوميه ثم تكرر ذلك للمرة الثانية مع شخص أخر و يتم إعتقاله ايضا ثم حدث نفس الامر ذاته للمرة الثالثه و لمحاولة ايقاف ذلك الجنون قامت الشرطة بوضع العديد من اللافتات حول الجسر قائلة إنه “أرض حكومية و ليس للبيع” و بذلك أنهت اى فرصه لمحاولة بيعه مجددا من قبل ” جورج ” الذى لم ييأس حيث اتجه لممارسة نفس افكاره الاحتياليه و لكن فى بيع منشئات عامة اخرى خلاف “جسر بروكلين” مثل “حديقة ميدان ماديسون” و “تمثال الحرية” و “متحف المتروبوليتان” للفنون و حتى ضريح الجنرال “جرانت” و قدم اوراقا مزورة مدعيا انه حفيده و أنه هو الوحيد الذى يمتلكه .
أقرأ أيضا : ويلهلم فويجت .. المحتال الألمانى الذى أستطاع بخطة عبقريه اختطاف عمدة مدينة و سرقة أموالها
و على مدار حياته تم القاء القبض على ” جورج باركر ” و ادانته عدة مرات بتهمة الاحتيال و سجنه لسنوات قليله واحدة منها حدثت عام 1908 حيث تم ايداعه فى سجن “ريموند ستريت” و فى ليلة رأس السنة وصل مدير سجن جديد ليتسلم اعماله به و خلع قبعته و معطفه لتحية العمال و السجناء و سرعان ما غافله ” جورج باركر ” و قام بسرقتهم و إرتدائهم و يخرج من البوابة الاماميه من السجن من دون اى مشكلة من الحرس الذين اعتقدوا أنه هو مدير السجن و يفر هاربا و يستكمل باقى انشطته فى الاحتيال و نظرا لأن لكل قصة نهاية فقد القى القبض عليه عام 1928 و تمت ادانته و عوقب هذه المرة بالسجن المؤبد و يقضى فترة عقوبته داخل سجن “سنج سنج” شديد الحراسة حيث أحب السجناء مرافقته و الاستماع الى قصصه فى عمليات الاحتيال التى قام بها و كيف أقنع ضحاياه بشراء جميع المعالم الوطنية المختلفة حتى توفى داخل محبسه عام 1936 .