كثير منا شاهد فيلم الرعب أناكوندا ذلك الثعبان الضخم الذي هاجم بعثة إستكشافية في أعماق أدغال نهر الأمازون و رغم الإثارة التي حملتها أحداثه إلا أن الكثيرين قالوا أن ذلك الثعبان واقعيا علي الرغم من ضخامته لكنه من الصعب أن يصل إلي الحجم الذي ظهر به في ذلك العمل السينمائي كما أنه من النادر جدا مهاجمته للبشر و لكن يبدو أن علماء الزواحف كان لديهم رأي أخر بأنه بالفعل عاش علي كوكب الأرض منذ نحو 60 مليون سنة و تحديدا في المنطقة التي تشغلها دولة كولومبيا حاليا ثعبان ضخم للغاية يعرف بإسم تيتانوبوا وصل طوله إلي 15.25 متر و وزنه إلي أكثر من الطن و رغم كبر حجمه إلا أنه كان رشيقا جدا في حركته أثناء مطاردته لفرائسه التي كان يقضي عليها بضربة واحدة و بشكل لا يعطي لأي حيوان فرصة للهرب من ما أعتبر أنه أكبر ثعبان في التاريخ .
و علي مدار التاريخ عاش تيتانوبوا ذلك الثعبان الأسطوري الضخم بالغابات الاستوائية الحارة و الرطبة في أمريكا الجنوبية بعد حوالي خمسة ملايين سنة من إنقراض الديناصورات و الذي ترك إختفائها فراغًا في قمة السلسلة الغذائية و هو ما سهل صعود تيتانوبوا ليحل محلها بطول تجاوز 15.25 متر و بوزن أكثر من الطن و هي أرقام تعادل نصف المقطورات التي تراها على الطرق السريعة و حوالي ضعف وزن الدب القطبي كما بلغ أثخن نقطة قطرية له حوالي المتر أي أطول من ذراع الإنسان و هي تعد أرقام مذهلة نظرا لأنه قبل إكتشاف تيتانوبوا كانت أكبر حفرية ثعبان تم العثور عليها على الإطلاق يبلغ طولها 10 أمتار و وزنها 450 كيلوجرام و إسمها “جيجانتوفيس” و هو ثعبان عاش قبل 20 مليون سنة في قارة أفريقيا بينما أكبر أنواع الثعابين الموجودة اليوم هي الأناكوندا العملاقة و التي يمكن أن يصل طولها إلى حوالي 4.5 متر أي أقل من ثلث حجم تيتانوبوا المتوسط و نادرًا ما يصل طولها إلى أكثر من 6 أمتار أو يزيد وزنها عن 225 كيلوجراما .
و أختلف العلماء حول طريقة مهاجمة تيتانوبوا لفرائسها حيث يعتقد فريق أن ذلك يتم من خلال تضييق و خنق الفريسة في حين يرى آخرون أنه على الرغم من أنها كانت تبدو مثل أفعى البوا القابضة و التي أستمدت منها إسمها إلا أنها كانت تتصرف مثل ثعبان الأناكوندا في أنها تكمن في المياه الضحلة و تستغل لون جلدها البني للتخفي في المياه الموحلة ثم تنصب كمينًا للحيوانات المطمئنة و تباغتها بحركة مذهلة أما الخطوة التالية و هي إلتهام الفريسة فأتفق الفريقين بأنها تبتلعها بالكامل لأن ميكانيكية فمها تسمح بذلك لدرجة أنها تستطيع إبتلاع الضحية قبل أن تتاح لها أي فرصة للصراخ و لتوضيح مدى الحجم الذي يمكن أن يصل إليه تيتانوبوا أقيم معرضًا في محطة “جراند سنترال” في “نيويورك” عام 2012 ظهر فيه نموذج بالحجم الطبيعي لثعبان ضخم يبتلع ما يشبه التمساح و ذيله يتدلى من فمه كما قاموا أيضًا بتشغيل سلسلة من مقاطع الفيديو الترويجية التي تجذب الانتباه مثل وضع مشهد تخيلي لمواجهة تجمع ما بين ذلك الثعبان و تي ريكس و من المؤكد أن تلك الحملة الدعائية قد جذبت إنتباه الناس .
و رغم ان ثعبان تيتانوبوا قد عاش منذ ملايين السنيين إلا أن حقيقته لم تكتشف سوي حديثا في عام 2002 عندما أكتشف أحد الطلاب ورقة شجر متحجرة يرجع تاريخها لملايين السنيين أثناء زيارته لمنجم فحم ضخم في منطقة “سيريجون” بكولومبيا و هو ما أشار إلي أن ذلك المكان كان في يوم من الأيام موطنًا لغابة مترامية الأطراف و هو ما فتح الباب لدراسة تلك الحفرية و إستكشاف ذلك المكان حيث أظهرت دراسة إلي أنها تنتمي إلي العصر الباليوسيني مما يعني أن المنجم ربما كان في يوم من الأيام موقعًا لواحدة من أولى الغابات المطيرة في العالم كما كشفت المزيد من الحفريات بذلك المكان عن عينات رائعة من الحيوانات التي عاشت في تلك المنطقة مثل السلاحف و التماسيح العملاقة إضافة إلي فواكه الموز و الأفوكادو و نباتات الفاصوليا الأولي التي ظهرت على كوكب الأرض و خلال البحث عثر علي فقرة ضخمة ترجع لأحد الثعابين إلا أنها كانت أكبر بكثير من أن تنتمي إلى أي ثعبان غابة مسجل و كان ذلك إكتشافًا مذهلاً عمل علي زيادة تمشيط تلك المناجم بحثًا عن المزيد من أجزاء ذلك الثعبان الضخم حيث قال العلماء أنها تنتمي لثعبان وقع في إنهيار طيني قام بدفنه و بمزيد من البحث تم العثور علي أجزاء عظمية أخري و هو ما معناه أن ذلك المكان كان يحوي ثعابين أخري من نفس النوع في مكان قريب .
و رغم إكتشاف المزيد من الفقرات إلي أنه بدا من الواضح أن الوصول إلي هيكل ثعبان تيتانوبوا كامل لم يكن متاحا طالما لم يتم العثور علي جمجمة له لأنه دون ذلك تظل المعلومات منقوصة حول طبيعة ما يستطيع ذلك الثعبان فعله و كانت تعد المشكلة الأكبر هي أنه من الصعب العثور علي حفريات تمثل جماجم تلك الثعابين الضخمة بسبب أن فكي الثعبان يكتسبان القوة بفضل عضلاتهما و ليس عظامهما لذلك فجماجمها واقعيا تعد هشة بشكل ملحوظ و عادة ما تنهار قبل أن تتراكم الرواسب عليها و نتيجة لذلك فإنها لا تدخل عادةً في السجل الأحفوري و لكن من اللافت للنظر أنه على مدار السنوات القليلة التالية أكتشف الفريق بقايا 28 ثعبانًا ضخمًا من بينها ثلاثة شظايا من جماجمها مما سمح لهم بتجميع نسخة طبق الأصل و كاملة الحجم لثعبان كبير و مخيف جدًا جعل تيتانوبوا هو ملك المخلوقات الضخمة في الغابات المطيرة و دفع الجميع للتساؤل حول ماذا كان سوف يحدث للبشرية لو لم ينقرض ذلك النوع .
أقرأ أيضا : تعرف على أخطر أنواع الأفاعى السامة الموجودة على وجه الأرض
و يرجح العلماء أن حجم تيتانوبوا الضخم يرجع إلي طبيعة المناخ الحار الذي عاش فيه حيث تشير الحفريات النباتية إلى أن درجة حرارة موطنه في الغابة بلغت في المتوسط 32.2 درجة مئوية و ربما كانت أكثر سخونة من ذلك حيث تعتمد الحيوانات علي الحرارة الخارجية للحصول على الطاقة و إذا كان الجو باردًا فيكونون بطيئين و لا يمكنهم العمل بكامل طاقتهم إلا عندما يكون الجو دافئًا أما في حالة كان الجو حارًا دائمًا فإن عملية التمثيل الغذائي لدى الكائنات ذات الدم البارد ستعمل بأقصى قدر من الكفاءة مما يسمح لها بتخصيص تلك الطاقة الإضافية للنمو بشكل أكبر و الحفاظ على جسم أكبر و على الرغم من أن العلماء قد ناقشوا مزايا تلك النظرية التي تعتبر جدلية حاليا ( لأنه إذا كانت صحيحة فلماذا لا تكون السحالي الموجودة في أدغالنا الأكثر حرارة اليوم ضخمة بالمثل؟) فلا يمكن إنكار أن تيتانوبوا كان هائلاً في الحجم بالفعل .