تمثل العديد من الأفلام السينمائية قيمة تراثية كبيرة فبجانب قيمتها الفنية الا أنها تحمل أيضا قيمة تاريخية فداخل محتواها قد تجد قصة تروى فى طياتها طبيعة الحياة فى زمن إنتاج ذلك الفيلم من هيئة الملابس و أسلوب المعيشة و حتى المشاكل التى يمر بها المجتمع فى ذلك التوقيت و يبرزها الفيلم من خلال أحداثه و اذا تابعت يوما مجموعة من الأفلام التى تمثل كل واحدة منها حقبة زمنية معينة فسوف تلاحظ وجود اختلافات عديدة فى كثير من الجوانب لذلك تعتبر الأفلام السينمائية بمثابة تأريخ لعصر إنتاجها و يعتبر اختفائها خسارة فادحة و لذلك صاغ بعض السينمائيين مصطلح الفيلم المفقود الذى يمثل فيلم روائي أو قصير لم يعد موجودًا في أي مكان سواء كان فى أرشيف الأستوديو الذى قام بإنتاجه أو فى داخل مجموعة خاصة أو أرشيف عام مثل مكتبة الكونجرس الأمريكي .
و ترجع مشكلة الفيلم المفقود فى “الولايات المتحدة” نتيجة وجود إهمال إدارى جسيم فرغم وجود قانون حماية حقوق الطبع و النشر الذى تم العمل به داخل البلاد و كان يلزم استوديوهات الانتاج إيداع نسخة واحدة على الأقل من كل فيلم أمريكي في مكتبة الكونجرس في وقت تسجيل حقوق الطبع و النشر الخاصة به الا أن أمين مكتبة الكونجرس لم يكن ملزمًا بالاحتفاظ بهذه النسخ و هو ما أدى لفقدان الكثير من الأفلام حيث يزعم تقرير أنشأه مؤرخ أفلام مكتبة الكونجرس و أخصائي المحفوظات “ديفيد بيرس” ان نحو 75% من أفلام الحقبة الصامتة الأصلية قد هلكت تماما و أن 14٪ من الأفلام الصامتة التى لا تزال موجودة و البالغ عددها 10919 و أصدرتها الاستوديوهات الكبرى موجودة و لكن فى بكرتها الأصلية ذات حجم 35 ملم أو تنسيقات أخرى و أن 11٪ فقط هى التى نجت و تم نقلها الى نسخ أخرى كاملة الطول و ترميمها اضافة الى أنه من بين الأفلام الصوتية الأمريكية التي تم إنتاجها فى الفترة من عام 1927 إلى عام 1950 فقد ما يقدر نصفها .
و تشير الإحصائيات الى أن معظم الأفلام المفقودة ترجع الى الفترة ما بين 1894 إلى 1930 و تقدر مؤسسة أفلام “مارتن سكورسيزي” أن أكثر من 90٪ من الأفلام الأمريكية التي تم إنتاجها قبل عام 1929 قد ضاعت و تقدر مكتبة الكونجرس أن 75٪ من جميع الأفلام الصامتة ضاعت إلى الأبد حيث يعتبر السبب الرئيسي لظاهرة الفيلم المفقود و خاصة من الأفلام الصامتة هو التدمير المتعمد فقبل عصر التلفزيون و الفيديو المنزلي كان يُنظر إلى تلك الأفلام على أنها ذات قيمة مستقبلية قليلة عندما تنتهي عروضها فى قاعات السينما و بالمثل كان يُنظر إلى الأفلام الصامتة على أنها لا قيمة لها بعد نهاية العصر الصامت حتى أن أحد المؤرخين السينمائيين قد قال بأسف أن معظم الأفلام الأولى لم تنجو بسبب الاستوديوهات حيث لم يكن هناك أي تفكير في إنقاذ هذه الأفلام بل على العكس قاموا بتدميرها ببساطة لأنهم كانوا يحتاجون إلى مساحة قبو لاستغلاله فى أمور أخرى .
كما توجد عوامل أخرى تسببت فى ظاهرة الفيلم المفقود منها أن الأستوديوهات كانت تربح المال عن طريق إعادة تدوير الفيلم و تقوم ببيع بعض المطبوعات المستخدمة لتجار الخردة الذين كانوا يقومون بتقطيعها إلى شرائح قصيرة لاستخدامها مع أجهزة عرض أفلام صغيرة بحجم 35 مم و بيعها كألعاب ترفيهية تعرض مقتطفات موجزة من أفلام هوليوود في المنزل و فى بعض الأحيان كان تدمير تلك الأفلام لارتباطها بمشكلة ما تمس السمعة ففى عام 1921 وجهت للممثل “روسكو آرباكل” تهمة اغتصاب و قتل الممثلة “فيرجينيا راب” و بعد سلسلة من المحاكمات تمت تبرئته في النهاية و مع ذلك أصبح اسمه سامًا لدرجة أن الاستوديوهات انخرطت في التدمير المنهجي لجميع أفلامه التي ظهر فيها بدور البطولة للتنصل منه كما يتم فقد العديد من الأفلام السينمائية المبكرة لأن فيلم النترات المستخدم في جميع الصور السلبية و المطبوعات مقاس 35 مم تقريبًا و التي تم تصويرها قبل عام 1952 شديدة الاشتعال و عندما يتم تخزينها بشكل غير صحيح يمكن أن تحترق طبقة النترات تلقائيًا كما أنها غير مستقرة كيميائيًا و يمكن أن تتحلل بمرور الوقت إلى كتلة لزجة أو مسحوق مشابه للبارود فى حالة التخزين السيئ كما دمرت الحرائق أرشيف كامل من الأفلام فعلى سبيل المثال دمر حريق فى مخزن تابع لاستوديوهات ” فوكس سينتشرى ” عام 1937 جميع السلبيات الأصلية لأفلامها التى انتجت ما قبل عام 1935 كما نتج عن حريق قبو تابع الى استوديوهات “مترو جولدوين ماير ” عام 1965 الى فقدان مئات الأفلام الصامتة و الناطقة التى صدرت فى السنوات الأولى .
و بسبب ظاهرة الفيلم المفقود فقد ظلم الكثير من الفنانين فى تلك الفترة و من الأمثلة البارزة على ذلك الممثلة ” ثيدا بارا ” التى تعتبر واحدة من أشهر النجمات في عصر السينما الصامتة و قامت بالظهور فى 40 فيلماً و لكن من المعروف الآن وجود ستة منها فقط اضافة الى الممثلة “كلارا بو” التى مثلت فى 57 فيلما فقد منها 20 و خمسة أخرين غير مكتملين كما أن الممثلات المسرحيّات اللواتي كن مشهورات و شاركن أيضا فى الأفلام الصامتة مثل “بولين فريدريك” و “إلسي فيرجسون” قد أصبحوا الآن منسيين إلى حدٍّ كبير مع بقاء القليل جدا من أدائهم السينمائي و لحسن الحظ نجت جميع الأفلام التي أخرجها “تشارلي تشابلن” تقريبًا بالإضافة إلى كميات كبيرة من اللقطات غير المستخدمة التابعة له و التي يعود تاريخها إلى عام 1916 بإستثناء فيلم “امرأة من البحر” الذى كان واحد من أوائل أفلامه .
و مع تطور السينما بدأت ظاهرة الفيلم المفقود فى التلاشي بشكل تدريجي بعد تقديم بكرات أفلام محسنة مقاس 35 مم بداية من عام 1949 كانت أكثر ثباتا و أمانا من أفلام النترات لذلك فقد عدد قليل نسبيًا من الأفلام بعد عام 1950 لكن العديد من الأفلام الإباحية المبكرة و بعض أفلام الدرجة الثانية ضاعت و ذلك لعدم شهرتها أو وجود مهتمين بها .
و لحسن الحظ من حين لأخر يتم إعادة اكتشاف مطبوعات أفلام قد اعتبرت مفقودة مثل نسخة عام 1910 من فيلم “فرانكشتاين” و التي كان يعتقد أنها فقدت لعقود حتى تم اكتشاف وجود نسخة كانت بحوزة جامع أفلام هاوى لسنوات خلال السبعينيات كما تم العثور على نسخة فيلم “ريتشارد الثالث” الذى أنتج عام 1912 و ذلك فى عام 1996 و تم ترميمها من قبل معهد الفيلم الأمريكي و في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تمت استعادة الفيلم الألماني “متروبوليس” الذي انتج عام 1927 و تم توزيعه بعدد من التعديلات المختلفة على مر السنين إلى أقرب ما يمكن من النسخة الأصلية من خلال إعادة اللقطات المحررة و استخدام تكنولوجيا الكمبيوتر لإصلاح اللقطات التالفة و رغم ذلك الا انه تم اعتبار ما يقرب من ربع لقطات الفيلم الأصلية مفقودة و في يوليو عام 2008 أعلن خبراء السينما في “برلين” أنه تم اكتشاف نسخة كاملة من الفيلم في أرشيف متحف الأفلام في “بوينس آيرس” عاصمة “الأرجنتين” و الذي احتوى تقريبًا على جميع المشاهد التي لا تزال مفقودة من ترميم عام 2002 و عليه تمت استعادة الفيلم الآن بشكله الأساسى الذى صدر فيه .