الطاقة المظلمة هي شكل إفتراضي من أشكال الطاقة وضعها فيزيائيين و علماء فضاء لتفسير سبب توسع الكون و بمعدلات متسارعة و هي طاقة ينظر إليها البعض بإعتبارها قوة مضادة للجاذبية نظرا لتمكنها من توفير ضغطًا سلبيًا يملئ ساحات الفضاء اللانهائي و يمتد في نسيج الزمكان ذاته و هو ما يعمل علي دفع الأجسام الكونية بعيدًا عن بعضها البعض بمعدل متسارع بدلاً من تجميعهم معًا كما تفعل الجاذبية و تشير التقديرات إلى أنه من المحتمل أن تمثل نسبة الطاقة المظلمة حوالي 68% من إجمالي مكونات الكون مقابل 26% للمادة المظلمة و 5% للمادة المرئية (الباريونية) و نسبة ضئيلة تكاد لا تذكر من الفوتونات و النيوترينوات و هو الأمر الذي يجعل الطاقة المظلمة هي المهيمنة بشكل كبير على الفضاء الرحب و يعتبر أول دليل رصدي لها جاء من خلال قياسات المستعرات العظمي خاصة من الأنواع 1A التي تتميز بأن لها لمعان ثابت و حتي اللحظة تظل الطبيعة الدقيقة للطاقة المظلمة لغزًا و لا يوجد أمام العلماء سوي بعض من النظريات التي تحاول تفسيرها .
و لعل السؤال الشائع هو ما هي الطاقة المظلمة و يجيب العلم بأنه لا أحد يعلم و لكن رغم غموض الإجابة إلا أننا نستطيع القول أنه توجد بعض من النظريات التي تتكهن بطبيعتها أولها هو أنها الطاقة الفراغية للفضاء المكونة من الجسيمات التي تدخل و تخرج من الوجود في الفضاء الفارغ أو كما تسمي القوة الخامسة المسؤولة عن الضغط السلبي الذي قد يسبب التوسع المتسارع للكون و هناك نظريات أخري ترجح أنها حقل منخفض الطاقة أو حقول من التاكيونات و هي جسيمات إفتراضية تنتقل بسرعة أكبر من الضوء و بالتالي تعود بالزمن و لكن في كل الأحوال تظل كل هذه الأمور إفتراضية بحتة لذلك تكون الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها معرفة الطاقة المظلمة حاليًا هي من خلال تأثيرها على الكون.
و يرجع تاريخ ترجيح وجود الطاقة المظلمة إلي حوالي 25 عامًا حين ثبت أن الكون يتوسع و تتسارع تلك العملية مع مرور الوقت و هي تحدث منذ 5000 مليون سنة و على الرغم من أن جميع ملاحظاتنا الكونية تدعم وجود هذه الظاهرة إلا أننا مازلنا لا نملك تفسيرًا لأسباب تلك الظاهرة و مع ذلك فإننا نعرف خصائص ذلك المكون الذي يسبب هذا التأثير و يتغلب على طبيعة الجاذبية و ينتشر في كل الزمكان حيث أطلق عليه العالم ” مايكل تورنر ” عام 1999 إسم الطاقة المظلمة و هو مصطلح يقدم تفسير معقول للإتجاه الحالي في توسع الكون لأنه في حالة إختفائها سوف يتباطأ ذلك التوسع و في النهاية سينفجر الكون بشكل سيعمل علي يقليص المسافة بين المجرات المرصودة في تلك البنية الواسعة النطاق .
و في البداية كان ينظر العلماء إلي أن توسع الكون قد يرجع سببه إلي الإنفجار العظيم لكن و مع الحالة الراهنة للتوسع الأخذ في الزيادة حاليا أصبح من الواضح أنه يحدث مدفوعًا بعامل مختلف و هو شيء لم يكن يعمل في الغالب خلال المراحل المبكرة من الكون أو في الأوقات التي تشكلت فيها المجرات لذلك بدء العلماء في إعتماد مصطلح الطاقة المظلمة و لكننا لا نعرف تحديدا مما تتكون و هو ما يجعل مسألة قياسها بشكل مباشر أمر صعب لذا فإن صياغة تجارب للكشف عنها و دراسة طبيعتها يمثل تحديًا حقيقيًا كما أننا لا نزال نتسائل على طريقة تأثيرها علي ديناميكيات التوسع التى تحدثها لذلك و رغم رصد الأدلة علي وجودها إلا أنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل الكشف عن طبيعتها و سماتها .
و حاليا من الصعب توقع عما إذا كنا سنتمكن من حل التركيبة الغامضة للطاقة المظلمة في مثل هذه الفترة القصيرة لكن العلماء يعتقدون أنهم يسيرون في الإتجاه الصحيح لفهم هذا المكون من خلال دراسته عبر التليسكوبات و المراصد التي تراقب علي مدار الساعة التغيرات التي تحدث في الفضاء و مدي تأثير الطاقة المظلمة عليها حيث لوحظ أن الأجسام المقيدة بالجاذبية مثل النجوم و أنظمة الكواكب و عناقيد النجوم و المجرات و مجموعات المجرات لا يبدو أنها تواجه تأثيرات الطاقة المظلمة حيث لا تزال الجاذبية تتفوق على الطاقة المظلمة في المقاييس الصغيرة أما أكبر مقاييس الكون فيبدو تأثيرها واضحا في المجرات و الأجسام الكونية الأخرى التي تفصل بينها خلجان ضخمة من الفضاء التي تصل المساحات البينية بينها لملايين أو مليارات أو حتى عشرات المليارات من السنين الضوئية و كلما زادت المسافة التي تفصل بين هذه الأجسام الكونية كلما زادت سرعة إبتعادها عن بعضها البعض .
و تتشابه المادة المظلمة و الطاقة المظلمة في أنه لا يمكن إكتشافهما بشكل مباشر و لكن من خلال الإستدلال على وجودهما من خلال تأثيرهما على المادة المرئية و لكن من غير الصحيح التفكير في الطاقة المظلمة على أنها مجرد طاقة مكافئة للمادة المظلمة لأن الأخيرة نعرفها من خلال تأثير الجاذبية المتمثل في ربط المجرات ببعضها البعض لأنه بدون وجودها ستدور المجرات بسرعة كبيرة لدرجة أن تأثير جاذبية المادة المرئية للنجوم و الكواكب و الغاز و الغبار لن يكون كافيًا لمنعها من التطاير أما بالنسبة إلي الطاقة المظلمة فهي تدفع الأشياء بعيدًا عن بعضها البعض على نطاق واسع أي أن كلا القوتين لهما تأثير معاكس .
و كان أول إكتشاف للطاقة المظلمة من خلال فريقين من العلماء الذين عملوا بشكل مستقل في أواخر التسعينيات حيث لاحظوا أن الكون يتوسع و يتسارع أثناء إجرائهم مسح للمستعرات العظمي من نوع LA و هي إنفجارات كونية تحدث عندما تموت النجوم الضخمة و تنتج إنبعاثات ضوئية بشكل موحد يجعلها ممتازة لقياس المسافات الكونية لأنه بينما يوسع الكون الضوء من مصادر بعيدة فإن الطول الموجي الذي يستغرق وقتًا طويلاً للوصول إلى الأرض يتمدد و بما أن اللون الأحمر هو اللون المرتبط بضوء الموجة الطويلة فإن هذا يؤدي إلى إحمرار الضوء و هو ما يطلق عليه علماء الفلك “الإنزياح نحو الأحمر” حيث كلما كان مصدر الضوء بعيدًا زاد إنزياح ضوءه إلى اللون الأحمر لذلك كان علماء الفلك يراقبون ما يسمى بالمستعرات الأعظم لمحاولة قياس معدل التوسع الكوني و ما وجدوه هو أن المستعرات الأعظم البعيدة التي إنفجرت عندما كان الكون أصغر سنا بكثير كانت أكثر خفوتا مما كان متوقعا بعكس وقتنا الحالي و هو ما يدل علي أن الكون في حالة تسارع .