تعتبر قصة التوأم بولوك التي دارت أحداثها في منتصف القرن العشرين واحدة من أغرب القضايا التي شهدها المجتمع البريطاني و أكثرها غموضا لأنها فتحت المجال حول موضوع جدلي متعلق بفكرة تناسخ الأرواح و ذلك بعد وفاة أختين صغيرتين ينتمون لأسرة بولوك فى حادث سيارة أليم و رغم صدمة الوالدين إلا أنهم مضوا قدما و تخطوا أحزانهم إلي أن رزقهم الله بتوأمين أخرين كتعويض عن مصابهم السابق و لكن مع تقدم الفتاتين في العمر سرعان ما تفاجئ الوالدين بأنهم يحملون نفس ذكريات الأختين الراحلتين و بدا الأمر كما و لو أنهم عاشوا نفس حياتهم السابقة بشكل دقيق و مذهل أصاب الأطباء بالحيرة لعجزهم عن الوصول لتفسير علمي و منطقي له حتي يومنا هذا .
بدأت قصة “التوأم بولوك” بالأب “جون” و الأم “فلورنس” الذان كانا مسيحيين متدينين و رزقهم الله بإنجاب ولدين ثم بعد ذلك من عليهم بإبنة عام 1946 و أطلقوا عليها إسم ” جوانا ” و بحلول عام 1951 أستقرت الأسرة في بلدة “هيكسهام” بنورثمبرلاند و ولدت إبنتهما الثانية “جاكلين” و نظرًا لأن الوالدين كانا منشغلين دائما بأعمال البقالة و توصيل الحليب فقد ترعرعت الفتيات في الغالب على يد جدتهم للأم و كانوا لا ينفصلون عن بعضهم البعض حيث كانت تعتني ” جوانا ” بأختها الصغري ” جاكلين ” كما و لو كانت أم لها علي الرغم من أنها دائما ما كانت تقول لوالديها بأنها لن تكبر و لن تكون سيدة أبدًا و في مايو عام 1957 و أثناء سير كلا الأختين إلى الكنيسة مع صديقهما “أنتوني” صدمتهم سيارة مسرعة لسائق غريب الأطوار حيث لقيت الأختين مصرعهما علي الفور أما ” أنتوني ” فقد توفي أثناء طريقه إلى المستشفى و مع إجراء التحقيقات تم التوصل لهوية الجاني و الذي كان امرأة محلية كانت تحت تأثير عدد من المخدرات و قامت بصدم الأطفال الثلاثة عمداً بعد أن أنفصلت قسراً عن أطفالها و تصدرت القصة عناوين الصحف في جميع أنحاء “بريطانيا” بذلك الوقت و أنتهت القضية بإيداع المرأة في مستشفى للأمراض النفسية .
و بعد وفاة الطفلتين “جوانا و جاكلين ” مر الوالدين بصدمة نفسية كبيرة و لكن عندما حملت “فلورنس” لاحقًا تولد لديهم أمل جديد بأن يكون ذلك الحمل عوضا عما فقدوه خاصة “جون” الذي كان لديه شعور قوي و غريب في نفس الوقت بأن المولود القادم سوف يكون فتاتين توأمتين و بمثابة ولادة جديدة للطفلتين داخل الأسرة كنوع من فكرة تناسخ الأرواح التي غالبًا ما تجادل الزوجان حول صحتها حيث رفضت “فلورنس” بشدة معتقدات زوجها “جون” حتي أنه أفيد لاحقًا أن زواجهم كان مهدد بالكامل نتيجة لذلك حيث كادت “فلورنس” التقدم بطلب للطلاق و لكن بالعودة إلي الحمل و رغم إيمان الأب بأن القادم سيكون توأم إلا أن طبيب الأم أستبعد ذلك لأنه لم يكن هناك تاريخ لوجود توأم في كلا العائلتين مما يعني أن إحتمال حدوث ذلك كان منخفضًا .
و رغم تأكيدات الطبيب أنجبت “فلورنس” فتاتين توأمتين في 4 أكتوبر عام 1958 و تمت تسميتهم “جيليان و جنيفر ” الذان عرفا لاحقا بـ ” توأم بولوك ” و رغم تطابقهم في كل شئ تقريبا إلا أن كل واحدة منهم كانت لديها وحمات مختلفة عن الأخري حيث كان لدى “جنيفر” وحمة صغيرة على فخذها الأيسر و التي تحاكي الوحمة التي كانت لدى الأخت المتوفية “جاكلين” كما كان لديها وحمة على جبينها تشبه ندبة صغيرة كانت لدى “جاكلين” في نفس المكان أيضًا و لكن لم يهتم أحد بذلك و عندما بلغ ” توأم بولوك ” ثلاثة أشهر أنتقلت الأسرة إلى مكان جديد و يستقرا في “وايتلي باي” بشرق هيكسهام و مع تقدم الفتيات في السن بدأت تظهر حالة غريبة عليهم حيث أصبح من الواضح أن “جيليان و جنيفر” يتذكران “هيكسهام” بالتفصيل على الرغم من عدم نشأتهما في تلك البلدة الصغيرة و حين صارت كلا الفتاتين في سن الرابعة بدأوا في الإشارة إلي معالم لم يروها من قبل و مع ذلك كانوا يعرفوها جيدا مثل المدرسة التي التحقت بها “جوانا و جاكلين” و دير هيكسهام و أحد الملاعب التي كانت تلعب فيهن أخواتهن المتوفيات حتى أن الثنائي بدا و كأنهما يعرفان الطريق إلى الملعب دون أن يروه من قبل .
و بجانب مع سبق تمكن ” توأم بولوك ” أيضًا من التعرف على ألعاب ” جوانا و جاكلين ” بالإسم على الرغم من أن الأم “فلورنس” كانت قد خزنت ألعاب الفتيات الراحلات بعيدًا عن الأنظار حيث بدأت الطفلتين في طلب إعادة بعض الألعاب و بدا الأمر كما لو أن التوأميتن يتحدثون عن تلك الألعاب على أنها ألعاب خاصة بهم و لم يكتفوا بذلك بل تمكنوا من تسميتها بالأسماء التي أعطيت لهم سابقًا بل و قاموا بتقسيمها كما فعلت أخواتهم السابقات و أشاروا إلى حقيقة أن الألعاب جاءت من سانتا كلوز و هذا ما حدث بالفعل كما لاحظ الأبوين أيضا أن ” توأم بولوك ” لهما شخصيات متشابهة جدًا عند مقارنتهما بأخواتهما الأكبر سناً حيث كانت الطفلة ” جوانا ” في السابق تحمي أختها الصغري ” جاكلين ” و هو ما كانت تفعله ” جيليان ” التي كانت أكبر بعشرة دقائق من أختها ” جينيفر ” و كانوا يستمتعوا بنفس الألعاب و الأطعمة مثل أشقائهم .
و رغم كل تلك الشواهد إلا أنه خلال السنوات القليلة الأولى من حياة “توأم بولوك” أستمرت الأم “فلورنس” في رفض إقتراحات “جون” بأن كلا الطفلتين هما تجسيد جديد لبناتهم السابقات إلا أنها قد غيرت رأيها حين وجدتهم يتحدثان عن حادث السيارة المأساوي ففي إحدى المرات سمعت الأم فتياتها أثناء لعبهن و هم يتكلمون عن الحادث الذي وقع لشقيقاتهم حيث كانت “جيليان” تحتضن رأس “جينيفر” و هي تقول لها “الدم يسيل من عينيك … هذا هو المكان الذي صدمتك فيه السيارة ” و في مناسبة أخرى أشارت “جيليان” إلى وحمة “جينيفر” الموجودة على جبينها و قالت لها “هذه هي العلامة التي حصلت عليها جنيفر عندما سقط عليها دلو” و من المثير للإهتمام أن التوأم كانا يخافان من السيارات في سنوات طفولتهم كما عانوا من كوابيس متكررة حول إصطدامهما بسيارة .
و مع تقدم الفتاتين في العمر أصبح ” توأم بولوك ” خائفتين وقلقتين بشكل منتظم أثناء وجودهما بالقرب من السيارات حيث يتذكر والدهم أنه في أحد الأيام عندما شغلت إحدي السيارات محركها في أحد الأزقة بالقرب منهم تشبثت كلاهما ببعضهم البعض في رعب و صرخوا : “السيارة قادمة لتأخذنا!” و لكن بعد بعد فترة وجيزة من بلوغ التوأم سن الخامسة بدأت ذكريات حياتهم الماضية بالتلاشي ببطء مع استمرارهم في العيش حياة طبيعية و بينما فقد التوأمان ذكرياتهما عن الحادث تمامًا تذكرت “جيليان” في وقت لاحق رؤية لها و هي تلعب في حفرة رملية بمنزل الأسرة السابق علي الرغم من عدم ذهابها إلي هناك مطلقا لكنها مع ذلك كانت قادرة على وصف المنزل و الحديقة التي تتطابق تمامًا مع المنزل الذي عاشت فيه “جوانا” مع والديها و هي في سن الرابعة.
أقرأ أيضا : شانتي ديفي الفتاة الهندية التى عاشت حياتين مختلفتين
و في حين أن حالة “توأم بولوك” قد تم الإستشهاد بها منذ فترة طويلة على أنها دليل على فكرة تناسخ الأرواح إلا أن الكثير من الناس قد جادلوا في تلك النقطة و قالوا أن ذكريات التوأم ربما تكون قد تأثرت بأشقائهم الأكبر سناً علي الرغم من زعم الوالدين أنهما لم يتحدثا إلى التوأم مطلقا عن أخواتهم المتوفين حتى يكبروا كما يقول البعض أنها قصة ضعيفة نظرا لأن أحد الوالدين يؤمن بفكرة تناسخ الأرواح لذلك ليس بالمفاجئ أن يقنع نفسه و معه زوجته المصدومة من وقع الحادث و فقدان بناتها بذلك الأمر و لكن علي أي حال لا تزال قضية ” التوأم بولوك ” جدلية حتى اللحظة و لم يصل أحد إلي أمر حاسم بشأنها .