على مر القرون و يشهد كوكب الأرض العديد من الكوارث التى قد تكون طبيعية مثل الزلازل و البراكين و الأعاصير أو مصطنعة علي يد الإنسان مثل الحروب و ما تحتويها من أسلحة تقوم بإبادة الأخضر و اليابس و لكن مع مطلع القرن العشرين شهد كوكبنا كارثة لا يعرف أحد أسبابها حتى اللحظة حين وقع إنفجار ضخم بمنطقة سيبيريا النائية فى روسيا عرف بإسم إنفجار تونجوسكا الذي أدى إلى تحطيم هدوء المناظر الطبيعية الجليدية و سقوط ما يقدر بـ 80 مليون شجرة في المنطقة حيث قدر العديد من العلماء لاحقا أن قوة ذلك الإنفجار كانت تعادل 185 مرة من قوة القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة هيروشيما فى اليابان خلال الحرب العالمية الثانية و فى نفس الوقت يقرون بأنه رغم وجود عدد من التبريرات المنطقية لتفسير ذلك الحادث إلا أنها ليست جازمة بشكل نهائي .
بدأت قصة “إنفجار تونجوسكا” يوم 30 يونيو عام 1908 فى تمام الساعة 7:17 صباحًا بالتوقيت المحلي حين أستيقظ عدد قليل من سكان منطقة “كراسنويارسك كراي” السيبيرية النائية الواقعة على بعد 65 كيلومترا ليشاهدون عمودًا من الضوء الأزرق الساطع مثل الشمس و هو يتحرك عبر السماء ثم بعدها سمعوا دويًا مدمرًا و موجة إنفجارية ضخمة أسفرت عن تحطم النوافذ و إنتزاع الناس من أماكنها حيث روي ” أس بي سيمينوف ” الذى كان شاهد عيان و أحد الفلاحين الذين عاشوا فى تلك المنطقة بذلك الوقت بأنه فوق طريق تونجوسكا شاهد و من معه عمودا ساطعا فى الأعلي عمل علي إنقسام السماء إلى قسمين ثم ظهرت النار عالياً فوق الغابة و إزداد الإنقسام في السماء بشكل أكبر غطى الجانب الشمالي بأكمله بالنار و في تلك اللحظة أصبحت المنطقة ذات درجة حرارة مرتفعة بشكل يفوق الوصف لدرجة أنه لم يستطيع تحملها و شعر كما و لو أن قميصه كان يحترق و يريد تمزيقه و إلقائه علي الأرض و بعد ذلك أغلقت السماء ثم حدثت موجة قوية أطاحت به على بعد أمتار قليلة .
و على الرغم من أن ” إنفجار تونجوسكا ” قد حدث علي الأراضي الروسية إلا أنه قد تم تسجيل الموجة الإهتزازية الناتجة عن الإصطدام في أماكن بعيدة مثل “المملكة المتحدة ” كما تشكلت غيوم كثيفة فوق المنطقة على إرتفاعات عالية عكست ضوء الشمس من وراء الأفق و توهجت سماء الليل و وردت تقارير تفيد بأن الأشخاص الذين يعيشون في أماكن بعيدة مثل آسيا يمكنهم قراءة الصحف في الهواء الطلق حتى منتصف الليل و على الصعيد المحلي قُتل المئات من حيوانات الرنة مصدر رزق الرعاة المحليين أما على صعيد الخسائر البشرية فتراوحت الروايات بين قتيلين أو لم يسجل وقوع أى قتلي حتى أنه فى ذلك المكان نظرا لعدم فهم طبيعة الحادث أتصل مالكى منجمين للذهب في المنطقة ببعضهم البعض و تبادلوا الإتهامات بتفجير المنطقة بالديناميت بشكل غير قانوني .
و بعد أن هدأت الامور قليلا كان إستنتاج العلماء المبدأي وقتها أن “إنفجار تونجوسكا ” كان ناجمًا عن نيزك هائل سقط على الأرض ثم أعيد فتح الموضوع مجددا عام 1921 أى بعد أكثر من عقد من الحادث لمحاولة دراسته بشكل أكثر تعمقا لذلك تشكلت بعثة علمية تحت قيادة العالم “ليونيد كوليك” كبير أمناء مجموعة النيازك في متحف “سان بطرسبرج” لمحاولة التوجه لمكان الإنفجار و لكن نظرا للظروف القاسية التى شهدتها تلك المناطق النائية بسيبيريا فلم يستطيع الفريق الوصول إلي المكان المحدد و لكن بحلول عام 1927 تشكلت بعثة جديدة تحت قيادته و نجحت تلك المرة فى الوصول إلي هدفها و لاحظوا أنهم لم يتمكنوا من العثور على أي حفرة في مركز الإنفجار الذي كان بالقرب من نهر “ستوني تونجوسكا” فى الوقت الذى كان فيه السكان المحليين مترددين في إخبار “كوليك ” بما حدث لأنهم أعتقدوا أن الإنفجار كان رسالة من الرب كعقاب لهم حيث تم تدمير أكثر من ألفي كيلومتر مربعا من الغابات النائية و ثمانين مليون شجرة كانت مستلقية على جوانبها و لكن الغريب فى الأمر أنه عندما وصل الفريق إلى نقطة الصفر وجدوا الأشجار هناك منتصبة لكن أطرافها و فروعها و لحاءها كانت قد جُردت من مكانهما .
و خلص هؤلاء العلماء إلى أن سبب ” إنفجار تونجوسكا ” ربما كان نتيجة نيزكًا يبلغ قطره 40 مترا أنفجر أثناء دخوله غلافنا الجوي و هو على سرعة 54 ألف كيلومتر فى الساعة و من المعروف أن تلك الصخور الضخمة تعمل على تسخين الهواء المحيط بها إلي درجات مرتفعة للغاية و نتيجة الضغط و درجة الحرارة تفتت تماما مما أدى إلى إنتاج كرة نارية و إطلاق طاقة تعادل حوالي 185 ضعف قنبلة هيروشيما على الرغم من أنهم لم يكتشفوا أي حفر ناتجة عن شظاياه المحتملة كما بدأت تظهر نظريات أخرى حول ذلك الحادث حيث أقترح عالم الفلك البريطاني “إف جي دبليو ويبل” أن جسم تونجوسكا الذى ظهر فى السماء كان في الواقع مذنبًا صغيرًا مكون من الجليد و الغبار على عكس النيازك المصنوعة من المعادن والصخور و هذا هو السبب الذي يمكن أن يفسر حقيقة أنه لم يتم العثور علي أي جزء من النيزك لأنه من السهل على المذنب أن يتسبب فى “إنفجار تونجوسكا” أثناء دخوله الغلاف الجوي و لكنه فى ذات الوقت أحترق تمامًا بسبب إحتكاكه بالغلاف الجوي و هو تحليل يفسر أيضا نظرية السماء المتوهجة التي لوحظت في جميع أنحاء أوروبا في الأيام التي أعقبت الانفجار .
أقرأ أيضا : خطوط نازكا الغامضة فى بيرو التى لا تزال تشكل تحديا كبيرا للعلماء
و بجانب ما سبق أرتبط إنفجار تونجوسكا بعدد أخر من النظريات حيث قال البعض و لما ننظر دائما إلي السماء و لا تكون الأرض هى السبب نتيجة حدوث إنبعاثات للغاز الطبيعي من خلال صدع فى القشرة الارضية و هى ما تسببت فى تلك الظاهرة كما طرحت أسباب أخري بعضها قد يكون خارق للطبيعة بأن كوكب الأرض ربما قد يكون أصطدم بأحد الثقوب السوداء أو سفينة فضائية هى ما إنفجرت فى ذلك المكان و لكن حتى اللحظة لا يوجد تفسير حاسم لتلك الكارثة .